قضايا

كورونا” ينعش ظاهرة الإشاعات في الجزائر..

تجريم ترويج أنباء كاذبة للمساس بالنظام والأمن العموميين في مشروع تعديل قانون العقوبات

 صادق مجلس الوزراء الذي ترأسه الأحد رئيس الجمهورية, عبد المجيد تبون, بواسطة تقنية التواصل المرئي عن بعد, على المشروع التمهيدي لقانون يعدل و يتمم قانون العقوبات يجرم الأفعال التي عرفت انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة إلى درجة تهديد الأمن والاستقرار في البلاد, من بينها ترويج أنباء كاذبة للمساس بالنظام والأمن العموميين، والمس بأمن الدولة والوحدة الوطنية.

تفاقم “الأخبار الكاذبة” على المنصات الاجتماعية مع ظهور فيروس كورونا

تشنّ السلطات الجزائرية منذ أسابيع حملة ضد من وصفتهم بـ”مروجي الأخبار الكاذبة” على المنصات الاجتماعية، والتي تفاقمت مع ظهور فيروس كورونا في البلاد.

 إشاعات تخلق البلبلة..

فند وكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس، لكحل فتحي، ما تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي بخصوص منشور مغلوط يدعي فيه صاحبه كذبا اصابة بعض السجناء بفيروس كورونا.وقال في الندوة الصحفية التي نشطها امس، إن هذه الواقعة كانت محل تحريات معمقة اذ تم الاستعانة بالهيئة الوطنية لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الاعلام والاتصال.ومكن هذا في ظرف وجيز من تحديد هوية الشخص صاحب صفحة الفيسبوك الذي قام بنشر هذه الاشاعة.على اثر هذه المعطيات الاولية، تم اسداء تعليمات الى فرق البحث والتدخل لأمن ولاية الجزائر لتوقيف أي شخص له علاقة بالقضية ومكنت التحريات من التوقف على معلومات تفيد بأن مستعمل حساب الفيسبوك والذي قام بالترويج لهذه الشائعة،  وهي امراة، تعتبر أحد أقرباء هؤلاء السجناء، وتقطن بولاية من ولايات الجنوب الشرقي.

وأضاف وكيل الجمهورية “المعنية قامت بنشر معلومات مغلوطة مفبركة وأخبار غير حقيقية، كانت تهدف من وراء ذلك التأثير سلبا على المنظومة العقابية في بلادنا، ظنا منها أن ذلك سيؤدي الى اطلاق سراح شقيقها المسجون بإحدى المؤسسات العقابية، ويقضي مدة عقوبتها 10 سنوات”.وأفاد وكيل الجمهورية ان التحريات انطلقت بتاريخ 5 أفريل، وانتهت بتحديد هوية صاحب صفحة الفيسبوك وتوقيفها وتقديمها امام المحكمة اليوم.وتمت احالة المتهمة، امس الاثنين، امام قاضي الجنح، بموجب إجراءات المثول الفوري، لتحاكم بتهم اهانة هيئة نظامية، الاضرار بالمصلحة الوطنية.

 نسخة مزورة لمسودة الدستور

 وفي 15 أبريل أعلنت وزارة الداخلية في بيان، توقيف مسرّب نسخة مزورة لمسودة الدستور (قيد المراجعة) تم تداولها على نطاق واسع عبر المنصات الاجتماعية.

وأشار البيان إلى أن عملية التوقيف جرت بولاية الشلف وسيتم تقديم المعني للمثول أمام النائب العام.

وتضمن البيان نفسه، خبر توقيف شخص آخر بولاية تيارت نشر نسخة مزورة لبيان منسوب لوزير الداخلية عبر المنصات الإجتماعية، تتعلق بتخصيص منح مالية لأفراد الحماية (الدفاع) المدنية.

وشددت الداخلية على أن “ترويج الإشاعات والأخبار الكاذبة والمغلوطة بهدف نشر البلبلة وخرق النظام العام، سيكون محل تصد صارم وفقا للآليات التي حددها القانون”.

وكانت رئاسة الجمهورية من جهتها قد نشرت بيانا قبل أيام قالت فيه إن “ما تم تداوله عبر المنصات الاجتماعية على أنه مسودة الدستور، غير صحيح وأن النسخة مزورة”.

وتوعد الرئيس تبون منتصف مارس الماضي في خطاب بثه التلفزيون الحكومي، بالبحث والكشف عن هوية ناشري الأخبار الكاذبة والمضللة الذين “يمتهنون زرع البلبلة وإبقاء المواطنين في حالة قلق ورعب”.

وفي السياق، قال وزير الاتصال عمار بلحيمر إن الإشاعة ظاهرة بشرية عالمية وجب محاربتها.

 

 عناوين “IP” تتيح معرفة وتحديد الأجهزة المستعملة من طرف ناشري الأخبار الكاذبة

 

ومنذ أسابيع تنشر المصالح الأمنية من شرطة والدرك الوطني بيانات تتحدث عن توقيف مسربي وناشري أخبار وإشاعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بانتشار فيروس كورونا.

وفي 2 أبريل الجاري تم توقيف سيدة بوهران بعد ظهورها بـ”فيديو” قالت فيه إن “أشخاصا من ذوي النفوذ غادروا فنادق الحجر الصحي بالمدينة، بعد عودتهم من فرنسا على متن باخرة”، الأمر الذي نفته السلطات لاحقا.

كما أوقفت الشرطة شخصا في 8 أبريل، بث فيديو عبر منصة فيسبوك، قال فيه إن السلطات ستغلق محطات الوقود في إطار تدابير الحد من انتشار فروس كورونا.

وتسبب الفيديو في طوابير طويلة للمركبات أمام محطات الوقود في عدة محافظات جزائرية.

ودفع الأمر وزارتي التجارة والطاقة وشركة “نفطال” إلى نفي محتوى الفيديو وتأكيد استمرار الخدمة.وفي اليوم نفسه، أعلن الدرك الوطني بولاية البليدة توقيف شخصين في قضية تشهير ودعاية كاذبة.وبحسب بيان الدرك، فإن التوقيف جاء إثر تداول فيديو نشر على حساب خاص بأحد الموقوفين (لم يحدده)، يتهم فيه أفراد الدرك الوطني، بأنھم سلبوه مبلغا ماليا وساعة يد وخاتم.

 وأضاف البيان أن “الإدعاءات الواردة في الفيديو ما هي إلا محض كذب وإفتراء، بدافع الانتقام من صرامة أفراد الدرك الوطني، في تطبيق الإجراءات الوقائية، لكبح تفشي فيروس كورونا”.

وفي 15 أبريل أمرت محكمة بوسعادة بولاية المسيلة بوضع شابين في العقد الثالث من العمر، بالحبس المؤقت، لقيامهما بتزوير بيان منسوب للوالي يتضمن أرقاما مضخمة حول انتشار فيروس كورونا بالولاية

الأخبار الكاذبة و تأثيرها المدمر على المجتمع

 وحول هذه الظاهرة، تقول الباحثة في الإعلام والاتصال بجامعة “الجزائر 3” مريم ضربان، إنها “ليست جديدة، ولا مختلقة، فالكذب والإشاعة عوامل نفسية اقترنت بالإعلام والاتصال الميدياتيكي، وتم استخدامها في الحروب النفسية والأزمات، إما لإطالة عمرها أو تعويم المتضررين فيها حتى لا تتم محاسبتهم، ويجدوا عامل المناورة عبر الكذبة“.

وأضافت أن “مروجي هذه الإشاعات يهدفون من خلال ذلك إلى خلط الأخبار الكاذبة بالصادقة أو إعادة توظيفها في زمان آخر أو اقتطاع جزء منها كتصريحات رؤساء وبترها عن سياقها، وجعلها خبرا رسميا أو استخدام الختم الرسمي للدولة على أوراق ومحررات بتقنية الفوتوشوب وصلت إلى الدستور، مما يمس بأمن مؤسسات الدولة وحساسيتها وأمنها في زمن أزمة عالمية صحية“.

واعتبرت الباحثة الجزائرية أن “الأخبار الكاذبة يتحمل مسؤوليتها كل طرف مخطئ، الكاذب بتلفيقه والمتداول لها بجهله في عدم التمحيص، وركضه لتقاسمها على صفحته دونما تأكد، لذا هو مشارك في النميمة والكذب الافتراضي بالترويج“.

كما  يرى الخبير في المعلوماتية وأستاذ الاتصالات بجامعة الجزائر فريد فارح، أن انتشار الاخبار الكاذبة على المنصات الاجتماعية يخفي وراءه رغبة في تعميم الشائعات في المجتمع والحصول على عائدات مالية.ويعتقد فارح أن “الأخبار الكاذبة ومع تأثيرها المدمر على المجتمع، فإنها بالمقابل بمثابة نشاط مادي يولد أعمالاً على مواقع التواصل الاجتماعي”.

وأضاف أنه لاحظ صفحات على منصة فيسبوك تحظى بعدد كبير من المتابعين هي المسؤولة عن جزء من الأخبار الكاذبة التي يتم تداولها.

وحذر فارح من إمكانية أن تؤدي خدعة بسيطة على المنصات الاجتماعية، إلى زعزعة استقرار بلد بأكلمه من خلال التلاعب برأيه العام.

وشدد على أن تحديد وتتبع الأجهزة التي تبث محتوى غير قانوني وكاذب على الشبكات الاجتماعية، أمر ممكن بالتعاون بين الحكومة المعنية (صاحبة الشكوى) والجهة المالكة للمنصة.

وأضاف أن منصة فيسبوك “التزمت منذ مدة بالتعاون مع عدة حكومات عبر العالم، للحد من نشر الأخبار الكاذبة ومنع نشر المحتوى الذي يحرض على العنف والكراهية”.

ووفق المتحدث فإنه بإمكان مالك المنصة أن يقدم عناوين بروتوكول الإنترنت أو ما يعرف بـ “IP” التي يتم استخدامها لنشر الأخبار الكاذبة، ويمكن أن تطلبها الحكومة الجزائرية من خلال القضاء.

ولفت فارح إلى أن عناوين “IP” تتيح أيضا “معرفة وتحديد الأجهزة المستعملة من طرف ناشري الأخبار الكاذبة أو أي محتوى آخر غير قانوني أو محرض على العنف والكراهية”.

بدوره، أشار الإعلامي والمحلل السياسي أحسن خلاص، إلى أن “أزمة فيروس كورونا وضعت المجتمع في قلق دائم، وما كان مجرد أخبار تأتي من بعيد من الصين وأوروبا، أصبح واقعا معاشا بإكراهاته التي يفرضها الحجر والقلق على المصير والحياة والعيش العادي“.

وأضاف: “أصبح كل شيء يحمل علامات استفهام ويبحث عن إجابات عاجلة. هناك فقدان للتوازن بين الطلب الكثيف والعاجل وما يعرض في السوق من أخبار ومعلومات رسمية“.

 وقال أحسن خلاص إن “ما يحدث للمعلومات تمامًا يحدث للبضائع، فالندرة تفرض على المستهلك اللجوء إلى مصادر أخرى من السوق الموازية، وفي بعض الأحيان المعلومات التي تأتي من السوق الموازية تأتي بثوب الإثارة ونجدها تنطلق من التشكيك في المعلومات الواضحة المصدر. ففي الظروف التي نعيش فيها تعتبر الأخبار المضللة ظاهرة مرضية، لكن لا مفر منها وقد لا تستطيع السلطات السيطرة عليها؛ لأنها مطلوبة من منطلق أنها تلبي الحاجة اليومية المتزايدة إلى إعلام الأزمة”.

من جهة أخرى يرى الخبير القانوني رشيد لوراري أن هذا النوع من الجرائم الإلكترونية حديث العهد في البلاد في ظل وجود شبه فراغ قانوني لمعالجتها.

وأوضح لوراري أنه “يمكن مبدئيا معالجة هذا النوع من القضايا انطلاقا من قانون العقوبات الحالي، مع احترام مجموعة من الحريات والحقوق الأساسية”.

واعتبر الخبير القانوني أن “الأخبار الكاذبة خطيرة ويمكن أن تمس بالنظام العام وبأمن واستقرار المجتمع ويمكن أن تمس أيضا بحقوق وحريات الأفراد”.

وختم بالدعوة إلى إطلاق ورشة قانونية من الأساتذة والمختصين، للإسراع في إعداد مشروع قانون يغطي الفراغ في التعامل مع مثل هذه القضايا.

 كريم/ل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق