وجها لوجه
أخر الأخبار

العالم في مواجهة تحدي الفيروسات: كورونا امتحان المصير الإنساني

واجهت البشرية عبر مختلف المراحل التاريخية مجاعات و كوارث طبيعية و أوبئة ، و تفاوتت فظاعات ما ذمر ، و كل محنة كانت بمثابة تحدي وجودي و التحدي هو المحك فالمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي لخص مسار التاريخ في قاعدة من كلمتين هما : التحدي و الاستجابة .و الآن مع كورونا يحتد الجدل حول مصدر الجائحة ، و تم تبادل الاتهامات على أعلى المستويات ، خصوصا بين الصينيين و الأمريكيين ، كما تداولت المواقع أشرطة تشير بأصابع الاتهام لفرنسا .كما أن إشارات استشرافية تضمنتها رواية صدرت في الثمانينيات و بعض الأعمال السينمائية و الدرامية .و سواء كان الفيروس افراز لاختلال في التوازنات الطبيعية أو صناعة مخبرية في إطار الحرب البيولوجية فإن الجائحة أصابت الجميع و لم تستثني طرفا .

الفيروسات و تاريخ الحياة في العالم :

تاريخ الفيروس هو تاريخ العالم ، و تحولاته مرتبطة بتحولات العالم ، و كل مرحلة تفرز ما يطبعها من أوبئة و أمراض و هو ما يختص بدراسته المختصون في أنثربولوجيا الصحةتقول الباحثة في البيئة أليسار شعيب :” قد نُفاجأ عندما ندرك أن جسم أي شخص بالغ ويتمتع بصحة جيدة قد يحتوي على ثلاثة آلاف مليار فيروس تنتمي إلى أنواع متعددة. 10 في المئة فقط من الفيروسات تشكل خطراً على صحتنا، وكثير منها ضروري لنا من حيث فعاليته في قتل البكتيريا المضرة، وفي المحافظة على نوع من التوازن «البيئي» داخل جهازنا الهضمي . لكن المفاجأة الأكبر تكمن في معرفة أنّ 8 في المئة من جينوم الجنس البشري مكونة من جينات فيروسية نجحت في دخول خلايانا والاندماج في جيناتنا، لتصبح جزءاً منها على طول التطور البيولوجي للثدييات (ونحن نوع منها). بعض الفيروسات قد تكون ظهرت على سطح الأرض حتى قبل بداية ظهور الكائنات الحية، لكن أغلبها تطور وتبدّل وتكيّف مع تطور الكائنات الحية منذ ظهور أول بكتيريا (أي منذ 3.5 مليار سنة )”.ويقول أيمن النحراوي :” وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الجسم البشرى محصنا بجهاز مناعى قوامه الخلايا الدفاعية التى تهاجم الجراثيم والفيروسات الغازية وتدمرها، تعززها مقدرة الجسم على إنتاج أجسام مضادة تقضى عليها، إلا أن كثافة وقوة وتركيز تلك الجراثيم والفيروسات وتغيير هندستها الوراثية ومزجها فى سلاح واحد، يجعل الجهاز المناعى البشرى عاجزا إزاءها، بالإضافة إلى عامل انتشار المرض بالعدوى وهو ما يفاقم التأثير ويصعده إلى مستويات خطيرة .إن أخطر ما يميز الأسلحة البيولوجية هو انخفاض تكلفة إنتاجها مقارنة بالأسلحة التقليدية أو النووية التى تتطلب تكاليف وتجهيزات تكنولوجية عالية، فالأسلحة البيولوجية يتطلب إنتاجها فقط حد أدنى من المعرفة العلمية ومعمل للمايكروبيولوجى، وبعض التجهيزات اللازمة للإنتاج، لكن الخطورة تتصاعد بمجرد البدء فى تصنيعها حيث تتطلب درجة عالية من التأمين خلال وبعد التصنيع والتخزين، كذلك يمكن إنتاج كميات ضخمة من العنصر البيولوجى اعتبارا لأن خلية واحدة من ميكروب ما قادرة فى وقت محدود وتحت الظروف المناسبة لها أن تتعدد وتتكاثر بدرجة رهيبة، مما يمكن من تكوين مخزون هائل من ميكروب ما خلال عدة ساعات “.ووفى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين فقط عانت الإنسانية من أكثر من 5 أوبئة خطيرة، حيث شهد العالم أزمات وبائية بيولوجية مريعة منها فيروس السارس عام 2002، إنفلونزا الطيور عام 2003، إنفلونزا الخنازير عام 2009، وباء أيبولا عام 2013، فيروس كورونا عام 2020، وبصرف النظر عن مصدرها أو أسبابها أو المستفيد منها، إلا أن الإنسانية هى المتضرر الأول عندما تتهاوى قيمة الحياة الإنسانية للآخرين من منظور طرف معين يأبى إلا أن يحقق مصالحه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بأى ثمن وبأى وسيلة حتى لو كانت نتيجتها فناء الإنسان وهلاك المجتمعات “.

السؤال عن السبب:

و الآن مع كورونا يحتد الجدل حول مصدر الجائحة ، و تم تبادل الاتهامات على أعلى المستويات ، خصوصا بين الصينيين و الأمريكيين ، كما تداولت المواقع أشرطة تشير بأصابع الاتهام لفرنسا .كما أن إشارات استشرافية تضمنتها رواية صدرت في الثمانينيات و بعض الأعمال السينمائية و الدرامية .

و سواء كان الفيروس افراز لاختلال في التوازنات الطبيعية أو صناعة مخبرية في إطار الحرب البيولوجية فإن الجائحة أصابت الجميع و لم تستثني طرفا .

و تقول أليسار :” يتساءل الباحثون عن أسباب وراء تفشي الأوبئة الجديدة منذ مطلع هذا القرن، وعما اذا كان هناك رابط بين هذا التفشي وطرق العيش الحديثة: المدن المكتظة، تلوث الهواء والمياه والتربة، التغيير المناخي، وسائل الإنتاج الزراعي والحيواني، قطع الغابات، الخ. هلهناكفعلامنرابطمباشر؟ألمينتشرمرضالطاعونمنذعشراتالقرونمنخلالالتجارةعبرطريقالحريرمندونأنتكونهناكحداثةوتلوثواكتظاظسكانيوقطعغابات؟هلالأوبئةمتصلةمباشرةبنظامناالعالميالجديد؟هلالجشعوالاستغلالالمتسارعلكلالمواردالطبيعيةبهدفالإنتاجوالإستهلاكفيظلالأنظمةالأقتصاديةالحاليةيقودناإلىكوارثصحيةرغمتطورالطب؟وهلتطورالعلومالطبيةقادرعلىحمايتنافيظلتحويلالقطاعالصحيإلىشركاتخاصةتهدفإلىالربح؟

لا يمكننا الجزم بأن الأوبئة مرتبطة دائماً بمشاكلنا البيئية المستجدة وبعصرنا الحالي. منذ بداية الزراعة وتدجين الحيوانات الأليفة في العصر الحجري الحديث الذي بدأ قبل 12 الف سنة، والإنسان معرض لللأوبئة بحكم احتكاكه القريب بالحيوانات. إذ انتقلت إليه، مثلاً، فيروسات الحصبة والجدري من البقر. لكن ما يمكننا جزمه هو أن أساليب عيشنا الحديث واستغلالنا المفرط لمواردنا الطبيعية ولهاثنا وراء الربح السريع وتراكم الثروات أدت بشكل نهائي إلى تفاقم إنتشار الأوبئة وصعوبة السيطرة عليها .

لطالما حذر علماء البيئة من خطر القضاء على المساكن الطبيعية للحيوانات البرية مما يهدد التوازن البيئي ويتسبب بخلل كبير قد لا يتمكن الإنسان من التحكم بتبعاته. وأظهرت دراسات عدة أجريت في السنوات الأخيرة أن ميكروبات جديدة مسببة لمرض الملاريا بدأت بالتفشي منذ عام 2002 في ماليزيا وجنوب شرق أفريقيا. ربطت هذه الدراسات التفشي بقطع الغابات في هذه المناطق لأن اختفاء الأشجار يعزز ظهور نوع جديد من الحشرات الناقل لهذه الميكروبات. كما أظهرت أن فيروس ايبولا الذي تفشى بشكل كبير في قرى أفريقية عام 2013 كان أكثر انتشارا في مناطق أفريقيا الغربية والوسطى التي تعاني من أعلى نسبة قطع للغابات (لانشاء اراض زراعية أو مناطق سكنية أو تجارة الخشب). المخزون الطبيعي لفيروس ايبولا هو خفاش الليل الذي يعيش في الغابات، ويتعايش هذا الفيروس مع الخفاش من دون أن يسبب له أي أذى. وقد كان هذا الفيروس بعيداً عن الانسان لأن الخفافيش كانت بعيدة عنه أيضاً عندما كانت تسكن في الغابات. ولكن، بعد القضاء على مساكنها الطبيعية، اضطرت للجوء إلى الأشجار المثمرة الموجودة في المدن للبقاء على قيد الحياة، ما سبب تخالطها المباشر مع البشر ونقلها لهم ايبولا المميت .

وأظهرت دراسات أخرى أن تفشي فيروسات أنفلونزا الخنازير والطيور ناتج عن ظروف الإنتاج الحيواني في المزارع الحديثة حيث تتكدس كميات كبيرة من الطيور أو الخنازير في مساحات ضيقة تسمح للفيروسات بالإنتشار السريع والتكاثر، وتعزّز الطفرات الجينية التي تجعلها أكثر خطراً على الإنسان، إضافة إلى استعمال كميات هائلة من المضادات الحيوية التي تحقن بها الحيوانات المدجنة والتي تسهل عملية اصاباتها بالفيروسات (يشكل قطاع تربية الحيوانات والتدجين 80 في المئة من سوق المضادات الحيوية في الولايات المتحدة )”.

و خلاصة الكلام أن الجائحة  قضية مركبة ترتبط بكل الجوانب ، بالبيولوجيا و الطب و علم الأوبئة و الصيدلة ،و بالبيئة و الاقتصاد ، و بالسياسة ..و هي أيضا و أساسا قضية أخلاقيات و أفكار و رؤى .

و تمثل كورونا امتحان المصير الإنساني ، امتحانا يطرح  سؤال مسرحية هاملت لشكسبير :إما أن تكون أو لا تكون .

محمد بن زيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق