مساهمات

وهران ما بك؟ ما بك وهران؟

ملاحظات ليس إلا...

بقلم الدكتور بوشيخي شيخ

 الظرف يحتم، نحن نعيش في ظرف شاءت الأقدار أن أعيشه شخصيا بين الحاضر و الذكرى في وهران كل شيء عادي بمقاييس البلد: “ نورمال.

لا يخفى علينا أن هذه المدينة، وهران الباهية في اللحظات ما قبل الأخيرة لاحتضان حدث أطلق عليه حدث عالمي ألعاب البحر الأبيض المتوسط، قلت حدث عالمي لأن الأقطار المشاركة فيه تنتمي لحوضي المتوسط الغربي و الشرقي  و هذه المنطقة بالذات أي البحر الأبيض المتوسط هي ما كان يطلق عليه العالم _ “كل العالم”  خاصة في ما يتعلق بالدين و الحضارة فعلى ضفتي المتوسط برز الرسل و الأنبياء و تم اختراع الكتابة       و أصبحنا منذ القرن الخامس عشر (15) نسميه مركز العالم القديم بعد الاكتشافات الجغرافية الكبرى، و في كل الحالات فالحدث بصدق عالمي لأنه سوف يكون في متناول البشر في القارات الخمس إعلاميا، الحدث بصدق عالمي لأن الذين سوف يشاركون فيه هم من أعراق مختلفة و ألوان متباينة و ثقافات شتى، حتى الذين سوف يشرفون وهران و الجزائر تحت علم واحد أي القادمون من نفس البلد  يقينا أصولهم مختلفة كرياضيين و مؤطرين و هلم جرا.

وهران في هذا الظرف الذي تتمناه مجتمعات كثيرة للمكانة المتميزة للألعاب المتوسطية، فهل يعي أبناء وهران أي حدث و أي شرف و أي امتياز ستعيشه الباهية و الجزائر ؟

لقد هالني مع اقتراب هذا الشيء الرائع و الكبير و الذي لن يتكرر في البلد ذاته إلا مرة واحدة في أربعين سنة أو يزيد، هالني عدم اكتراث الكثير منا و تدني الوعي بقيمة هذا الأمر، مهما كان الجواب و الأسباب فإنه أمر غير عادي.

 جزائرنا 1975

 كان لي الحظ و أبناء جيلي و الأكبر منا أنا عشنا هذا الحدث بالذات أواسط سبعينيات القرن الماضي، رغم حداثة السن آنذاك فقد كنا في طفولتنا نحاول استكشاف بيئتنا و المحيط، و الجزائر في تلك الفترة كانت جزائر أخرى من حيث القيم إلا قليلا، فرغم أخطاء ذلك الزمان و سلبياته إلا أن الناس كان لهم الحد الأدنى من الوعي.

 1975عشناها كسنة متميزة في أول مرة تقام ألعاب البحر الأبيض المتوسط في الجزائر المستقلة لأول مرة يتم تدشين ملعب 5 جويلية الذي كان مفخرة آنذاك  لأول مرة تلتقي الجزائر و فرنسا على أرض الجزائر بعلمين مختلفين و باعتراف متبادل و بندية كاملة أتحدث هنا عن كرة القدم، كأحد أنشطة

البحر الأبيض المتوسط دورة الجزائر 1975  لن أطيل عليك عزيزي القارئ المحترم بذكرياتي كمواطن و لا كطفل آنذاك لكونها كثيرة غير أني سأركز على بعض الملاحظات التي لازالت عالقة في ذاكرتي.

لقد كان الجو فيه استعداد نفسي و كان الحدث في الحي و المقهى بل في المؤسسات التربوية و الكثير من البيوت حديث حول هذه المناسبة أي الألعاب المتوسطية.

لازلت كلما تذكرت المقابلة الأخيرة أي النهائي إلا وأستشعر جزائر أصيلة و منطلقة.

ملعب 5 جويلية مفخرة  الجزائر آنذاك الجمهور كأنه يريد اعتراف آخر بتفوقه على فرنسا بعد 1962       و كان الأمر أكثر من تحدي هذا شيء طبيعي بالنسبة الجماهير.

إلى غاية اللحظات الأخيرة فرنسا متفوقة، رغم صغر سني كنت في نوبة أطلق عليها الآن نوبة تحدي مشروعة أفهمها الآن و قد كان هذا غائب عني في تلك الظروف قبل 47 سنة.

فرنسا لازالت متفوقة، طبيعي جدا أننا في وضعية نفسية يختلط فيها التحدي و الشعور بخيبة الأمل و الدعاء للسماء لكل الأصوات و الصيحات و فرك الأيادي و انتظار المعجزة و كراهية صافرة الحكم: إطلاق الصافرة يعني نهاية الأمل معظم أبناء البلد بين شاشة التلفزيون و جهاز الإذاعة” الراديو”، الحقيقة الإذاعة كانت أكثر انتشارا غير أني لا أجد جواب لحد الآن مقنع، لوضعية أعتقد العديد قد عاشها آنذاك ، فمعظم الذين تحدثت إليهم بالإضافة إلى أسرتي في وهران أين كنت أقيم في تلك الفترة، كان الناس يلتفون حول شاشة التلفزيون و يتابعون أحداث المباراة في نفس الوقت من خلال الإذاعة لما يا ترى ؟

 الرئيس هواري بومدين من وإلى

 لازالت فرنسا تمضي نحو التتويج و الأمل يتراجع بالنسبة لنا.

و الجماهير في صمت و الرئيس آنذاك هواري بومدين رحمه الله كان عليه بعد لحظات قليلة أن يقدم الميدالية الذهبية للفريق الفرنسي.

لازالت فرنسا متفوقة بملعب 5 جويلية بالجزائر، لازلت أتذكر و لو لم أني أعش تلك الفترة ما صدقت ذلك،  فجأة يقوم الرئيس و ينصرف من المنصة و يغادر الملعب لعل الكبار اهتموا بذلك الموقف من غير المعقول أن ينصرف الرئيس إلا لخبر خطير وصله في تلك اللحظة، بالنسبة لنا كان كل ما يهمنا أن لا يطلق حكم المباراة الصافرة في نهاية المقابلة.

الجهد الكبير من طرف اللاعبين الجزائريين و التعب كبير كذلك واضح على وجوههم و يغادر الرئيس الملعب.

و اللحظات كأنها قرون، يأخذ الكرة اللاعب عمر بتروني- و في عدم تصديق لما يرى و لما يسمع- وحيدا و الكرة في اتجاه مرمى فرنسا و الحكم كأنه يستعد لاستعمال الصافرة في الإعلان عن نهاية المقابلة.

غادر الرئيس الملعب و لا يعلم أحد السبب و الحكم يستعد لإنهاء هذه المقابلة.

 بتروني في اتجاه المرمى و إذا بنا جميعا ننسى كل شيء حينما استقرت الكرة في شباك الفريق الفرنسي و انطلقت حناجر الجمهور بصيحات التشجيع و الفرح و نحن كذلك و إذا بالرئيس الراحل هواري بومدين يعود إلى الملعب هل فهمنا لما غادر و لما عاد  فيما بعد قد يكون الأنضج منا و الأكبر سنا استوعب حركة الرئيس في حينه و لا أتذكر متى فهمت أن الرئيس غادر الملعب بعد أن تيقن أننا نسير في اتجاه الهزيمة: فلم يتحمل الرئيس أن يقدم الميدالية الذهبية للفريق الفرنسي بالذات و في ملعب 5 جويلية و في غمرة احتفالات الجزائر بالذكرى 13 للاستقلال.

كان التعادل بين الفريقين و تم نعت اللاعب بتروني برجل اللحظات الأخيرة.

كان الوقت الإضافي و انتصر الفريق الجزائري و كان طعم ذلك الفوز كبيرا جدا.

فوز الفريق الوطني بالميدالية الذهبية و على الفريق الفرنسي بالذات و في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط من أجل الذكريات في تلك الفترة.

لم تكن كرة القدم النشاط الوحيد الذي نال اهتمام الجماهير  الجزائرية آنذاك فقد تفاعل الجزائريون مع بقية الأصناف الرياضية الأخرى و أميل لعنصر الوطنية في تبرير ذلك أكثر من الهواية الرياضية .

لكل واحد من الذين عاشوا تلك الدورة 1975 من دون شك ذكريات يشعر بها و يستشعرها في هذه الأيام، فما الذي يتذكره و يستشعره الذين يعيشون دورة2022 مستقبلا ؟ أنا هنا لا أتحدث عن المنخرطين مباشرة من رياضيين و مؤطرين و منظمين بل أتحدث عن المواطن الجزائري العادي هل يعيش هذا الفرح الظرفي المتميز بشيء من الوعي ؟ في كل الحالات هذا ما أتمناه و إن أجد لحد الآن مؤشرات تنبئني بضعف هذا الأمل في فترة كل شيء بالنسبة للكثير هو “نورمال.

و إلى ملاحظات أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق